تخيل أنك بدون جنسية !!
استمعت مرة إلى كاتب خليجي معروف يتحدث عن فئة (بدون) التي أكل عليها الدهر وشرب وهي تنتظر الفرج لتعيش مثل المواطنين البشر الآخرين. وقد لفت نظري في حديثه قوله إنهم سيشاركوننا الأكل والشرب، فضلا عن مشاركتهم لنا في المدارس والمستشفيات والحقوق الوطنية بشكل عام. ولذلك هو لا يرى تجنيسهم ولا إعطاءهم حقوقا متقدمة من أي نوع. إلى هذه الدرجة تصل (البجاحة) ودناءة النفس التي لا تريد أن يشاركها إنسان آخر، يعيش على نفس الأرض، صحن المجبوس أو الكبسة!!وهذا، في عمقه أو وجهه الآخر، يعني انتفاخا في الرؤوس قبل البطون، إذ كونك مواطنا تحمل جنسية وتتمتع بكافة الحقوق اعتقدت أنك فوق وهم تحت، وأن (مصارينك) فقط هي التي من حقها أن تقرقر من خيرات البلد، بينما الآخر، الذي أوقعه حظه في إشكال جغرافي أو تاريخي، ليس له إلا المهانة واللقمة التي تلقيها في عرض الطريق، بعد أن تشبع أنت وعيالك الساكنين فوق عروش الثروة والشرهات والرواتب التي تكفيكم شر الحاجة والفاقه.
وهنا، هنا فقط، أدعو رأسك المنتفخ ليأخذ مكان رأس واحد من (البدون) لتكابد الصداع والألم والحسرات التي يكابدها وهو يتحرك في البلد بدون جنسية، ويتكفف أبواب الوزارات والمدارس والمستشفيات ليؤمنوا حاله وحال عياله الذين طال بهم الأمد مع الوجع. ثم إنني أدعوك، بدل أن تكون عثرة في طريق الحل، أن تكون عاملا مساعدا لحلحلة الأمر ودفع الحكومات للتعجيل بالإجراءات التي تنهي معاناة عديمي الجنسية، فهم معلقون برقاب أوطانهم التي لا تقبلهم ولا تطردهم، وإنما تتركهم ذائبين على حبال الأمل، التي تلقي بهم في مهاوي الغضب والسخط وسوء التصرف والعاقبة.
ولذلك علينا أن نعقل أمورنا مع كل من لا يحمل جنسية، ممن يحسبون تاريخيا أو جغرافيا أو عائليا على الوطن. وهناك دول أكبر منا وأكثر تقدما تجد حلولا شتى للتعامل مع الغرباء الذين يطأون أرضها ويبقون فيها، فما بالنا نحن نتعامل مع أهلنا وربعنا بهذه الصورة؟ لن تنفعنا أموالنا إن لم تنفعنا وتحركنا عقولنا وقلوبنا وحكمتنا.
0 التعليقات :
إرسال تعليق